ياسين بونو.. بطلٌ بعد طول صبر وكفاح
تستهوينا حكايات النجاح التي تُبرز كفاح البطل، تُظهر مدى عنده وجَلَده في أحلك الظروف وأشدها شقاءً، الحكايات التي تتصل بالنفس وتوقد شعلة الأمل، التي تقوي عزيمة المرء وتدفعه للبحث عن سبل بلوغ مراده دون استسلام لكلل أو ملل، حكايته جائزة الاقتداء لمن أراد سلك درب النجاح والتفوق، لمن أراد معانقة أحلامه وكتابة نهايته التي آمن بتحقيقها، ياسين بونو الذي تدرج المراحل مع توالي السنوات، دون أن تتسلل إليه ذرة إحباط أو استلام، ظل متمسكا برغبته مواصلا المسير صوب هدفه، إلى أن كافأته الأقدار وأشهرت موهبته للعالم.
رأى ياسين بونو النور في الخامس من أبريل سنة 1991 بمدينة مونتريال كندا، من أبوين مغربيين، عاد رفقة والديه إلى المغرب وهو في الثماني سنوات، انضم إلى أكاديمية فريق الوداد البيضاوي كحارس مرمى وبدأ يتدرج في مختلف فئاته، إلى أن وصل سن 19 وتم تصعيده إلى الفريق الأول، وأصبح الحارس الثاني للنادي الأحمر.
صبر بونو ليس وليد السنوات الأخيرة، كان حبيس دكة بدلاء فريق الوداد لصالح الحارس الأول آنذاك، نادر المياغري، واصل بونو التربص بفرصة ولوج المستطيل الأخضر وإطلاق العنان لموهبته إلى أن سنحت له ووجد نفسه حاميا لعرين الوداد، وينجح في تقديم مستويات كبيرة رفقة الأحمر، مستويات تعدى صداها حدود الوطن، لينتقل الحارس إلى نادي أتليتيكو مدريد الإسباني، صيف 2013، ويصبح هو الحارس الثالث للفريق.
بونو لم يحظ بفرصة المشاركة في إحدى مباريات الفريق، كونه اعتبر الحارس الثاني آنذاك، بعد الحارس الأول آنذاك، البلجيكي تيبو كورتوا، الذي كان نجم “الروخي بلانكوس” ومن بين الأبرز في العالم.
سنتان اكتفى خلالهما بونو بالمشاركة في حصص أتليتيكو مدريد التدريبية، ليتقرر إعارته إلى ريال سرقسطة الناشط في الدرجة الثانية من “الليغا”، قضى موسمان فرض نفسه خلالهما، لينتقل سنة 2016 إلى فريق جيرونا الذي كان ينشط حينها في الدرجة الثانية من الدوري، خاض بعض المباريات كحارس ثاني للفريق، واستمر في الظهور ببعض المباريات في الموسم إلى أن صعد الفريق إلى الدرجة الأولى، لينقض على الأساسية في تشكيلة الفريق ويصبح الحارس الأول للنادي.
تألق بونو ونال إعجاب متابعي الدوري، أظهر إمكانيات وتعملق أمام كبار الأندية في إسبانيا ملمعا اسمه كأحد أفضل الحراس في “الليغا”، مواصلا عروضه المبهرة رغم تراجع مستوى فريقه في الموسم الموالي الذي انتهى بسقوط نادي المقاطعة الكتالونية إلى الدرجة الثانية، حينها قرر بونو مغادرة الفريق لرفضه العودة خطوة إلى الوراء.
في 02 شتنبر من السنة الماضية، أعلن نادي إشبيلية ضمه للحارس المغربي، ياسين بونو، قادما من فريق خيرونا على سبيل الإعارة لمدة موسم واحد مع أحقية الشراء، أبدى بونو حماسه بانتقاله للنادي الأندلسي، ورغبته في تقديم أقوى العروض مع فريق يعد من بين الأبرز في إسبانيا وأوروبا.
أحلام بونو أبت التحقق والانجلاء مع عدم تمكينه من فرصة إبراز إمكانياته في ظل تمسك مدرب الفريق، جولين لوبيتيغي، بقرار الإبقاء على حارسه الآخر توماس فاسليك، تمسك بونو بأمل نيل فرصته الكاملة إلى غاية الجولات الأخيرة من الدوري الإسباني، عندما تعرض الحارس التشيكي للإصابة في لقاء إيبار ويتعذر عليه المشاركة في اللقاءات المتبقية للفريق.
منذ مباراته الأولى بعض إصابة فاسليك، استطاع بونو تقديم مردودا كبيرا طمأن به المدرب والجماهير، خاصة وأن الفريق مقبل على دخول منافسات الدوري الأوروبي، الذي سيستأنف في ألمانيا، بزغت موهبة بونو مع كل مباراة خاضها، من دور الثمن بمواجهة نادي روما، ثم فريق وولفرهابتون ونجاحه في صد ركلة جزاء منحت الأفضلية لفريق، إلى حين تألقه وتأكيد نفسه كنجم لمباراة مانشستر يونايتد، لتصدياته المبهرة التي قادت النادي الأندية إلى الدور النهائي من المنافسة، مواجها نجوم الفريق الانجليزي الذي عجزوا عن هز شباك الحارس المغربي، الذي أظهر نفسه للعالم وتجاوز صداه التوقعات، وأثبت لكل مشكك مدى إمكانياته وأحقيته بالرسمية والدفاع عن ألوان كبار الأندية.
شارك بونو في نهائي الدوري الأوروبي مع إشبيلية، والذي جمع الأخير بنظيره إنتر في ألمانيا، ظل بونو وفيا للتألق والمساهمة في انتصارات ناديه وذلك بمستواه المبهر الذي ظهر في تصديه لمحاولة سانحة من الفريق الخصم، بانفراد مهاجم “النيراتزوري” روميلو لوكاكو بالمرمى، إلا أن الحارس المغربي تفوق وتصدى للكرة رافضا استقبال مرماه لهدف آخر، في مشهد “بطولي” مهد السبيل لإشبيلية نحو إضافة الهدف الثالث في المباراة التي انتهت لصالح “الأندلسي” بثلاثية مقابل هدفين.
بونو الذي واجه الإقصاء بصبر وجسارة، ظل متسمكا بأمل حصوله على فرصة إبراز إمكانياته، آمن بنفسه واقتنع بقدرته على تحقيق أقوى العروض وبلوغ الأهداف التي سطرها رافضا التنازل عنها، بونو جنى ثمار كفاحه وعمله، وحكايته باتت غنية بإنجاز تاريخي يدعم طموحه، حكايته التي هي في بدايتها فقط، نظرا لأحلامه التي يلاحقها بشغف لا يخمد.