كريم الأحمدي..نجم قاتل في الخفاء وغادر في صمت
الذكريات تبقى الممسك الوحيد لما أضاعه الزمن، جشع المرء يدفعه للتشبث بمن أدرك جوهره، بمن علم قيمته بعد خسارة مؤسفة، متحديا نواميس الحياة متمردا عليها، يستحضر ما مر من لحظات ازدهار، ويتمرغ في حسرة لاذعة على أقدار عاتية تُبرز الفراغ الذي خلفه رحيل من اعتاد تواجده، رامية إياك في زوبعة الحسرة والندم على الفراق، كريم الأحمدي الجندي المجهول الذي اختار القتال في الخفاء، تاركا ذكراه خالدة لكل منتبه للفراغ الذي خلفه فراقه.
رأى كريم الأحمدي النور في الـ27 من يناير سنة 1985 بمدينة أونتشيد في هولندا، بداية مشواره الاحترافي كان نادي تفينتي الهولندي سنة 2004، بعدما تدرج في فئات النادي العمرية قبل تصعيده للفريق الأول، استعرض الأحمدي إمكانياته وقدراته الملفتة في خط الوسط الدفاعي مع تفينتي وأصبح من أبرز لاعبي الفريق الذي استمر معه أربع سنوات شارك خلالها في 103 مباراة مسجلا ثلاثة أهداف.
سنة 2008 انتبه نادي فينورد للأحمدي وأدواره في الميدان، ليقرر التعاقد معه والاستفادة من مؤهلاته لتنفجر موهبته ويصبح اللاعب الأبرز في الفريق وفي هولندا، باختياره كأفضل لاعب في الدوري موسم 2010-2011، وبعد ثلاث سنوات، لعب فيها 102 مباراة وسجل ستة أهداف أقدم الأحمدي على خطوة مفاجئة بانتقاله إلى الدوري الإماراتي وبالتحديد نادي أهلي دبي على سبيل الإعارة وهو في عز عطائه، ارتباط النجم المغربي بفريقه الجديد لم يدم طويلا، إذ شارك معه في 10 مباريات فقط مسجلا هدفا واحدا.
خاض الأحمدي تجربة في الدوري الإنجليزي مع نادي أستون فيلا الذي انتقل إليه سنة 2012 في صفقة بلغت 3 ملايين يورو، بدأت أسهم الأحمدي مع فريقه ترتفع تدريجيا بعد كل مباراة، إذ بداياته لم تكن كما موفقة مقارنة بما كان عليه اللاعب وما بات عليه في الموسم الثاني له مع أستون فيلا، إذ حقق أرقام فردية جيدة واستطاع الفوز بأساسيته في مباريات الفريق، إلى نهاية الموسم الذي كان كذلك نهاية مغامرته مع أستون فيلا بـ63 مباراة سجل خلالهم ثلاثة أهداف.
سنة 2014، عاد الأحمدي لنادي فينورد في صفقة كلفت 750 ألف يورو، وبعقد يمتد لثلاث سنوات، في أولى المباريات بدأ ظهر في مباريات كأساسي وظل حبيس الدكة في أخرى، كما أنه قدم مستويات جيدة في المباريات التي سنحت له فرصة المشاركة فيها، إلى غاية موسم 2015-2016 عندما غادر زميله حينها ديرك كويجيت الفريق، ليثبت الأحمدي قدميه في تشكيلة الفريق الأساسية كما حظي بشارة القيادة، واستطاع الظفر مع فينيورد في الموسم الموالي على لقب الدوري الهولندي.
في الـ33 من عمره، قرر الأحمدي سنة 2018 العودة إلى الخليج من جديد، بانتقاله إلى نادي الاتحاد السعودي، اللاعب لم يجد ما كان ينتظره في الفريق السعودي، إذ رغم تقديمه لما هو منتظر منه على أرضية، نتائج النادي السلبية جعلت الأحمدي عرضة لانتقادات الجماهير على غرار جل الأندية، ما جعل اللاعب أقرب إلى مغادرة الفريق في الميركاتو الصيفي المقبل، بعدما خاض مع الفريق 36 مباراة فقط.
اختار الأحمدي منتخب بلده الأم، بعدما تم استدعاؤه لتمثيل المنتخب الهولندي لأقل من 19 سنة، شارك سنة 2005 مع المنتخب الوطني في كأس العالم لأقل من 20 سنة، وكان أكثر من قدم تمريرات سانحة، وبعد كأس العالم للناشئين جرى استدعاؤه مجددا من قبل المنتخب الهولندي لأقل من 21 سنة، للمشاركة في ثلاث مباريات ودية.
الأحمدي لم يتردد في حسم قراره واختيار تمثيل المنتخب الوطني الأول، لتكون مباراته الأولى في الـ19 نونبر 2008، في لقاء زامبيا والذي انتهى لصالح الأسود بثلاثة أهداف دون رد.
شارك الأحمدي في نسخ أمم إفريقيا بداية من سنة 2012 التي جرت بالغابون، ورغم توالي النكبات كان الأحمدي من اللاعبين الذين ينالون اعتراف المتابعين المغاربة، لمستواه الفردي والدور الذي يقدمه، رغم ضعف المجموعة وتراجع نتائجها، بيد أن توالي المدربين على المنتخب الوطني أبعد اللاعب في بعض المناسبات عن الكتيبة، قبل أن يعود تدريجيا ويحظى بأساسيته في التشكيلة.
مع تعيين المدرب الفرنسي، هيرفي رونار، ناخبا للمنتخب الوطني سنة 2016، أصبح الأحمدي أحد ثوابت الكتيبة ولاعب لا غنى عنه، مشكلا ثنائية مع مبارك بوصوفة، ما أعطى قيمة كبيرة لخط وسط ميدان الأسود، لتأتي كأس أمم إفريقيا سنة 2017، ويظهر فيها المنتخب الوطني بوجه مغاير على ما اعتاده في السنوات العُجاف التي انقضت مع النسخ الماضية، ويقدم مستويات ونتائج أسرت المغاربة، في مغامرة انتهت في دور الربع النهائي على يد المنتخب المصري.
الأحمدي بات ورقة رابحة في وسط ميدان المنتخب الوطني ولاعب عرض نفسه بقوة على الجماهير المغربية بمستوياته وهدوئه الذي جعله يبتعد عن الأضواء مركزا على خدمة المنتخب الوطني، إلى أن نجحت كتيبة رونار في التأهل لكأس العالم 2018 روسيا بعد تصفيات “مُجهدة”، ويشارك في الحدث الذي غاب عنه المغرب مدة 20 سنة.
الأحمدي على غرار جل زملائه في المنتخب، وقعوا على مشاركة مشرفة المستوى، بمجابهتهم لكبار المنتخبات العالمية (إيران، إسبانيا، البرتغال) بيد أن النتائج كانت مؤسفة، باستثناء التعادل الذي كان أمام المنتخب الإسباني بهدفين لكل مرمى، لينتهي مشوار المنتخب في المونديال بحصده لنقطة واحدة، وتنتهي معه خدمة الأحمدي الذي سبق وأن أكد أن المونديال سيكون آخر ظهور له مع بقميص المنتخب.
الأحمدي أنهى خدمته وغادر، غادر ليترك الفرصة لمن بعده، غادر راضيا على ما قدمه وقضاه مع المنتخب الوطني، اختار الابتعاد عن الأنظار قدر المستطاع والقتال بدون إحداث جلبة، قيمة البعض تُدرَك أكثر عند الفراق، وذكرى الأحمدي ستبقى رفيقة كل من تابعه وتبصر جوهره.