وإن طال الانتظار، يبقى النجاح مصيرا حتميا ومرتقبا، عند اقتران الطموح بالعمل والاجتهاد، يتحقق المراد عند السعي بعناد ثابت وأمل لا ينضب، مجسدا الحلم الذي راود الذهن وحرك الإيمان ببلوغه، دون ذرة يأس أو قنوط خلال سنوات من الكفاح التي زادت من تعزيز الثقة وصقل الإمكانيات، بيقين بلوغ المراد مهما طال الأمد وتراكمت السنين.
في فوز المغرب بتنظيم كأس العالم 2030، جزاء على الاجتهاد العظيم والكفاح الممتد لسنوات، جزاء على الصمود وتعزيز الطموح في عز المحن والإخفاق دون تردد من تكرار المحاولة، مواصلا السعي والتطور لعقود إلى أن نال مراده، كاسبا الفرصة التي عمل جاهدا لأجلها تحت ثناء وإشادة العالم بسيرته وتطوره.
حلم تنظيم المونديال.. نسخة 1994 أول محاولة
حكاية المغرب مع تنظيم كأس العالم، ليست وليدة السنوات الأخيرة، إذ راود حلم تنظيم المونديال المملكة، منذ القرن الماضي، وبداية بنسخة 1994، ساعيا لضمه، بإمكانيات آنذاك لم تمكن قوية وتنافسية، ما جعل الرفض قرارا حينها، منطقيا إلى حد كبير، ليذهب تنظيم النسخة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي شارك فيها المغرب بمنتخبه الوطني، وكانت نسخة غير موفقة للأسود.
حلم تنظيم المونديال.. محاولة ثانية في نسخة 1998 رغم التحديات وضعف الحظوظ
عاد المغرب سريعا لمحاولة تنظيم نسخة 1998، راغبا في نيل شرف تنظيم كأس العالم، الذي بات حلما يسعى إلى تحقيقه، مهما كثرت التحديات التي تتصدى لطموح تحقيق الهدف الذي يبقى بعيد المنال، بالنظر للإمكانيات المتاحة والمطالب الموضوعة من الاتحاد الدولي لكرة القدم، والتي راحت في الأخير إلى فرنسا.
حلم تنظيم المونديال.. نسخة 2006 ومحاولة ثالثة بإيمان مستمر
تريث المغرب وعاد لمحاولة الظفر بتنظيم كأس العالم لنسخة 2006، بيد أن الهدف ما زال بعيدا برفض تمكين المغرب من المنافسة على الحدث، لتروح الغلبة للملف الألماني، الذي تفوق على ملفات أخرى كالبرازيل وجنوب إفريقيا، ليعود المغرب ويحاول الظفر بتنظيم المونديال خاصة بعد علمه بتوجه “الفيفا” إلى تمكين إفريقيا من احتضان المنافسة لأول مرة في التاريخ.
حلم تنظيم المونديال.. منافسة إفريقية على نسخة 2010 ومحاولة جديدة خائبة
نافس المغرب جنوب إفريقيا على استضافة كأس العالم 2010، بيد أن بلد “البافانا البافانا”، كان الأقوى بمنشآته العالمية كاسبا الأصوات التي مكنته من شرف احتضان النسخة الأولى عبر التاريخ في القارة السمراء.
حلم تنظيم المونديال.. توقف للاشتغال على الإمكانيات والانفتاح على العالم
توقف المغرب لسنوات عن محاولة احتضان كأس العالم، مقتنعا بضرورة الاشتغال على إمكانياته وتطويرها، سواء على مستوى البنيات التحتية أو الخبرة التي وجب اكتسابها من خلال استضافة أحداث رياضية ذات أهمية كبيرة على المستويين القاري والعالمي.
انفتح المغرب بنظرة مستقبلية على العالم، وذلك بتوجيهات من الملك محمد السادس، بالانكباب على إعداد الملاعب والانفتاح على احتضان المسابقات القارية والعالمية، بداية بكأس العالم للأندية سنتي 2013 و2014، بعد مشاريع جرى إطلاقها لإنشاء ملاعب كبيرة بمواصفات عالمية.
انكب المغرب أكثر على احتضان الأحداث وخلق علاقات تواصلية مثيرة مع الاتحادات المشرفة على كرة القدم، سواء في إفريقيا أو العالم، مع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، الذي انطلقت مع نهضة كرة القدم الوطنية، برعاية وتوجيهات سامية من الملك محمد السادس، إلى بدت بوادر الانتفاضة تبرز مع نجاحات متوالية تحققها المملكة، على مستوى تطوير الإمكانيات وإنجاح التظاهرات، وكسب ثقة “الكاف” والفيفا”.
حلم تنظيم المونديال.. تطور ومنافسة إلى آخر مرحلة على 2026
استمر تطور المغرب على المستوى الرياضي، إلى أن عاد محاولا تحقيق الحلم الذي رفض الاستغناء عنه، عبر الترشح لتنظيم كأس العالم 2026، متخطيا مراحل فرز الملفات، إلى أن نجح في بلوغ مرحلة التصويت، بعد كسبه ثقة مجموعة من الاتحادات الأعضاء لـ”الفيفا”، بيد أن الفوز كان للملف الثلاثي المشترك بين “كندا، المكسيك وأمريكا” بعد منافسة قوية كان المغرب فيها ندا عنيدا مؤمنا بحظوظه لآخر نقطة في الصراع على التنظيم.
لم يتوقف المغرب، وواصل العمل، يتطور على كافة الأصعدة المتعلقة بكرة القدم، أندية وطنية تشرف المملكة على المستوى القاري، ومنتخبات وطنية تحقق الإنجازات بمختلف الفئات السنية، إلى جانب التطور على مستوى البنيات التحتية وتنظيم الأحداث، كأس العالم للأندية وكأس أمم إفريقيا، سواء للاعبين المحليين، للسيدات ولأقل من 23 سنة.
وفي خضم التطور وتراكم المكتسبات، نجح المغرب في إشعاع اسمه أكثر، بالإنجاز التاريخي الذي حققه على مستوى كأس العالم 2022، بإنجاز تاريخي غير مسبوق، متمثل في بلوغ نصف نهائي المونديال، في سابقة مثيرة للإعجاب وخاطفة لأنظار العالم، متعرفين على منتخب أسر القلوب وكسب الاحترام، بطموحه الذي يلامس أحلامه ويدفعه لتقديم أقصى ما لديه، مطيحا بكبار القوم.
حلم تنظيم المونديال.. فوز بتنظيم نسخة 2030 بعد اجتهاد وكفاح لسنوات
14 مارس 2023، أعلن الملك محمد السادس، انضمام المغرب لملف مشترك مع إسبانيا والبرتغال، لتنظيم كأس العالم 2030، خلال استلام جائزة التميز لسنة 2022، في الحفل الذي أقيم في رواندا، مؤكدا أن الترشيح المشترك الذي يعد سابقة، سيحمل عنوان الربط بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال البحر المتوسط وجنوبه، وبين القارة الإفريقية والعالم العربي، والفضاء الأورومتوسطي”.
وفي 04 أكتوبر 2023، زفّ الملك محمد السادس للمغاربة فوز المملكة مع إسبانيا والبرتغال، بشرف تنظيم كأس العالم 2030، بعدما استقر الاتحاد الدولي لكرة القدم، عبر كافة أعضائه على تمكين الملف الإفريقي الأوروبي من تنظيم الاستحقاق، لعدم وجود أي منافس رسمي، في مفاجأة جد سارة، لم يكن متوقعا نزولها سريعا، وبعد أيام قليلة على نيل تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025.
وخرج الاتحاد الدولي لكرة القدم في ذات اليوم، عبر رئيسه، جياني إنفانتينو، لتهنئة الملف الثلاثي المغربي الإسباني والبرتغالي، على تنظيم كأس العالم 2030، مؤكدا أن النسخة ستكون استثنائية بنقل ثلاث مباريات إلى الأوروغواي، البارغواي والأرجنتين، للاحتفال بمرور 100 سنة على إقامة أول نسخة كأس العالم.
توالت الإشادات وصدح العالم بخبر فوز المغرب وإسبانيا والبرتغال، باحتضان كأس العالم 2030، بإشادة كافة الدول بأحقية الملف المشترك، لما يشكل من قوة مغرية لنجاح الاستحقاق، ولإمكانيات الدول المرشحة ومن بينهم المغرب، الذي يمثل إضافة وازنة على مستوى البنية التحتية، التنظيم، الثقافة، الجغرافيا، إلى جانب الشغف الكبير لشعبه الذي يتنفس كرة القدم.