طارق تيسودالي.. صدفة تُفضي عن نجم يأسر قلوب المغاربة
الصدفة تفضي في الغالب لارتباطات وجدانية تنشب على حين غرة، تصرفٌ أو حدث يولد مشاعر تلقائية استثنائية، واقعة تلمس السجية، تخلدها وتميز صاحبها الذي يرتفع مقاما لدى الغير، لحظة أو فعل يحظى برمزية وأهمية كبيرتين، لحظة تسرد معها حكاية جديدة، ينطلق عنانها بأمل استمرارها لأقصى أجل وختمها بنهاية سعيدة.
الأحداث الخاصة تكون خير مسرحٍ لمن أراد الفوز بإشادة العامة، خير فرصة للقيام بخطوات للأمام، تميزك وتجعلك تلامس الهدف الذي صبوت إليه، الدور الفاصل من التصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم قطر 2022، فرصة قيمة للدولي، طارق التيسودالي، النجم الذي هبّ على المغاربة بالصدفة، وأثبت نفسه وكسب الاعتراف، منشئا رابطة معهم تتوطّد عند إقران اسمه بذكرى خالدة التحقت بسابقاتها.
شهدت مدينة أمستردام الهولندية، في الثاني من أبريل 1993، لمسقط رأس طارق تيسودالي، الذي نشأ في الأراضي المنخفضة، متشبعا بحب وطنه الأم رغم بعد المسافات، تعلّق بالمغرب منذ الصبا، ما مكنه من تعلم العامية المغربية والتعلق أكثر ببلده مع أمل اللعب لمنتخبه الوطني يوما، كحلم راوده مع انطلاق حكايته مع كرة القدم.
بدأ تيسودالي في شق طريقه كلاعب لكرة القدم، مع نادي آرجون الهولندي، ثم انتقل إلى فريق سبارتا سنة 2012، وانضم لفريق تلستار الذي تألق معه مسجلا 23 هدفا في 73 مباراة، ليثير تفوقه نادي لوهافر الفرنسي الذي ضمه سنة 2016، بيد أنه لم يقدم المستوى المنتظر منه، لتتم إعارته سنة 2017 إلى فريق كامبور ثم فينلو الهولنديين، ويعود بعدها إلى لوهافر سنة 2018، وتتم إعارته في ذات السنة مجددا إلى فريق دي غرافشاب الهولندي الذي لعب معه نصف موسم، وبعدها إلى فريق بريتشوت البلجبكي في صيف 2018، بعد نهاية عقده مع لوهافر.
نجح تيسودالي مع بيرتشوت في استعاد توهجه، وتمكن من تسجيل 20 هدفا في 73 مباراة، إلى جانب الأداء الذي مكنه من إثارة انتباه نادي جينت البلجيكي في شتاء 2021، حينها بدأ ربيع تيسودالي في مساره الرياضي، بتألقه وتقديم أقوى المستويات مع غينت، إذ نجح اللاعب في تحقيق جائزة أسد بلجيكا سنة 2021 التي تقدم لأفضل لاعب في البلاد.
ويقدم تيسودالي مع جينت في الموسم الحالي 2021-2022، أقوى العروض، مستمرا في توهجه ومساهما في انتصارات فريقه سواء بالأهداف أو التمريرات الحاسمة وأدائه الذي يعطي إضافة كبيرة لخط فريقه الأمامي، إذ تمكن من تسجيل 15 في 35 مباراة.
كان الظهور الأول لصاحب الـ28 سنة بقميص المنتخب الوطني سنة 2016 عندما لبى نداء المنتخب المغربي لأقل من 23 سنة وخاض معه 3 مباريات مسجلا هدفا واحدا فقط، ليغيب بعدها دوليا متمسكا بأمل تحقيق حلم اللعب في المنتخب الأول، دون يأس أو ملل جراء الانتظار وانقضاء أمد مساره في الملاعب.
الصدفة كانت الفرصة التي ترقبها وتربص بها لسنوات، إذ في نسخة الكاميرون 2021 من كأس أمم إفريقيا، جرى استدعاء تيسودالي بشكل طارئ ليعوض غياب اللاعب، عبد الصمد الزلزولي الذي اعتذر عن الانضمام للمنتخب المغربي حينها رافضا المشاركة في أمم إفريقيا.
وسريعا مع تفاعل طارق مع دعوة خليلوزيتش، إذ حسب تقارير صحافية فإنه توجه إلى مطار بروكسيل قبل 24 ساعة من رحلته إلى الكاميرون للالتحاق ببعثة المنتخب المغربي في الكاميرون، قبل أن يعدل وينتظر إلى حين حلول الموعد، في ردة فعل أثبت مدى شغفه الكبير ورغبته الجامحة في اللعب للمنتخب المغربي.
شارك تيسودالي مع المنتخب المغربي، كبديل في بعض مباريات “الأسود” بكأس أمم إفريقيا، مقدما مؤشرات إيجابية دفعت خليلوزيتش، إلى استدعائه للدور الفاصل المؤهلة لكأس العالم قطر 2022 أمام الكونغو الديمقراطية، رغم عدم تمكنه من التسجيل في “الكان”.
في الدور الفاصل، فجّر تيسودالي موهبته وكافأ خليلوزيتش على ثقته بتسجيله لهدف ثمين في مباراة الذهاب أمام الكونغو الديمقراطية بكينشاسا، ممكنا المنتخب المغربي من تعادل عزز خلاله حظوظهم في التأهل للمونديال قبل مواجهة الإياب التي جرت في الدار البيضاء.
بحضور أزيد من 45 ألف متفرج، بمركب محمد الخامس، عرض تيسودالي إمكانياته للمغاربة وعرّف بنفسه للجميع مثبتا لهم مدى أحقيته بالمكان الذي يتواجد فيه، إذ قدم أداء قويا كلله بهدف ضمن الرباعية التي سجلها المنتخب الوطني، فائزا بإشادة الجماهير التي هنأته في المدرجات على القتالية الكبيرة والمستوى الجيد الذي أظهره، ليصبح تواجده في المباريات القادمة للأسود منتظرا، بعدما فرض نفسه على خليلوزيتش وثبت اسمه وبات من دعائم المنتخب المغربي.
وأفصح تيسودالي في تصريحات إعلامية عقب مواجهة الكونغو الديمقراطية، عن سعادته الكبيرة باللعب للمنتخب المغربي والمساهمة في تأهله لكأس العالم، مؤكدا أن اللعب أمام أنظار المغاربة وهبه حماسا أكبر وإرادة أعظم للتضحية في سبيل القميص الوطني.
وأكد أن ما عاشه في مركب محمد الخامس سيخلد في ذاكرته، وأنه سيستمر في تقديم كل ما لديه من أجل عدم تفويت اللعب للمنتخب الوطني وأيضا نيل فرصة المشاركة في كأس العالم الذي يعد التواجد فيه بحد ذاته حلما بالنسبة له.
سريعا ما اغتنم تيسودالي رياحه التي هبت عليه، جاء صدفة، وولج القلوب فجأة، أكد أحقيته وأظهر صدق تعلقه بالوطن، يحمل القميص بفخر وسعادة، سعادة حلم راوده وظن استحالة تحققه، تأخر الفرج لسنوات وعندما بلغه استفاد منه بقناعة الفرصة الأخيرة.