يوسف النصيري.. أسدٌ يشق دروب النجاح بكدٍ وكفاح
الاجتهاد والإيمان بالنجاح، مَعْبَر من عقد العزم على بُلوغِ مراده، من التَحَفَ الأمل وواصل العمل دون كللٍ أو ملل، يداه على أذنيه غير آبه بأزيز من خلفه، يشق دروبه طامسا الانتقادات بعد كل تفوق مُحقق، من اللاعبين الذين قَسَتْ عليهم الانتقادات، استُصغِر رُغم وثبه للمراحل في فترة وجيزة، لم يأبه وواصل العمل بحماس يكبر مع كبر التحديات، جاعلا نفسه الأبرز ومعوضا الانتقادات بإشادات وثناء.
في بدايته فقط، تحمل عبء حملِه لأحلامِ وانتظارات اعتبرتها أقرانه في وسطه مستحيلة، يوسف النصيري، الحالم الطامح، أسندت له مهمة عجز عنها من سبقوه، مواجها مبكرا أمواجا مصيرية تمزج بين تذمر الأنصار وخيبتهم، وبين عتابهم وانتقادهم، عاقدا العزم على المواصلة وملاحقة أحلامه التي جعلها أهدافا يحققها، ويرسخ بها قناعة أنه الأفضل والأجدر بمركزه في المنتخب الوطني.
رأى النصيري النور في فاتح يونيو من سنة 1997 في مدينة فاس، نشأ محبا متعلقا بكرة القدم وبنادي المغرب الفاسي، الأخير الذي كان انطلاقته في التكوين، منضما إليه سنة 2010، قبل أن يغادر سنة 2011 وينظم إلى أكاديمية محمد السادس، التي تمرس فيها وتدرج في مختلف فئاته إلى أن خاض تجربة مع نادي ملقا الإسباني الذي راقت له إمكانيات اللاعب مقررا انتدابه سنة 2015.
سنة واحدة كانت كفيلة لارتقاء النصيري إلى فريق ملقا الرديف سنة 2016، مقدما مستويات كبيرة وموقعا على سجل قويه متمثل في 9 أهداف من 10 مباريات خاضها، ما سرع بتصعيده إلى الفريق الأول في نفس السنة.
بدأ يبزُغ اسم النصيري مع ملقا، متألقا ومقدما مستويات محترمة وجهودا بدنية جد محترمة مكنته من تسجيل 5 أهداف من 53 مباراة لها مع الفريق الأول في موسمين، قبل أن يقرر نادي ليغانيس الإسباني انتداب مهاجم المنتخب المغربي والاستفادة من خدماته.
انضم إلى ليغانيس صيف سنة 2018 مقابل 10 ملايين يورو في صفقة شراء هي الأعلى للفريق، انطلق النصيري في مغامرته الجديد، تألق في مباريات وخاصة أمام الأندية الكبيرة، إذ نجح في هز شباك برشلونة كما بصم على لقاءات قوية أمام ريال مدريد وباقي الفرق البارزة في “الليغا”، استمر النصيري في ذات المردود إلى أن بات من الأسماء التي يتم تداولها في المنابر الإعلامية الأوروبية، بشأن اهتمام أندية بتوقيعه، نظيره المستويات التي يقدمها وهو في ريعان شبابه، متمكنا من تسجيل 15 من 53 مباراة له مع ليغانيس.
16 يناير 2020، كان النصيري على موعد مع خطوة كبيرة في مساره الاحترافي، بتوقيع لنادي إشبيلية الإسباني، مقابل 20 مليون يورو، الفريق الأندلسي الذي أعجب بإمكانيات صاحب الـ22 سنة حينها.
انطلقت مغامرة النصيري متذبذبة بين حدة المنافسة القائمة على مركزه في الفريق، وكذا سقف طموح وانتظارات جماهير إشبيلية التي تناشد بالألقاب ومنافسة كبار الدوري الإسباني والأوروبي، تحدياتٌ دخلها النصيري وقطع عهدا مجابهتها وتخطيها بكده وإصراره، إلى أن بات يحظى بدقائق لعب أكثر مع توالي المباريات، مسجلا أهدافا ومساهما في تحقيق فريقه لانتصاراتٍ وللقب الدوري الأوروبي.
في انطلاقة الموسم الحالي تعرض النصيري لخيبة أمل كانت كفيلة بتدمير طموح أي لاعب في سنه، وذلك في لقاء السوبر الأوروبي، عند إهداره لمحاولة كانت كفيلة بمنح فريقه لقب المنافسة على حساب كبير القارة العجوز، بايرن ميونخ، حينها وجهت المنابر الإعلامية الإسبانية أسهم الانتقادات للاعب الذي لم يطأطئ الرأس وظل محافظا على تركيزه جلوسه على مقاعد البدلاء.
انفجر النصيري مع توالي مباريات الموسم الحالي، محرجا المدرب جولين لوبيتيغي، في كل مباراة اعتمد فيها على نجمه المغربي كبديل، يتألق يسجل ويساهم في تحقيق الانتصار، كاسبا أساسيته ومجازيا المدرب على ثقته باستمرار عداد أهدافه في الدوران، ما جعله يوقع خلال الموسم الحالي على 9 أهداف من 21 مباراة في مختلف المنافسات.
أطلَّ النصيري لأول مرة على المغاربة بقميص المنتخب الوطني، في الـ31 من غشت سنة 2016، في المباراة الودية أمام ألبانيا، إلى أن كسب ثقة المدرب الفرنسي هيرفي رونار، الذي استدعاه لقائمة المنتخب الخاصة بكأس أمم إفريقيا 2017.
لاعب شاب، طويل القامة ونحيف البنية، يركضُ صعودا وهبوطا، لا يكلُّ ولا يمل، مجتهدٌ مواجه للتحديات، نجح في تسجيل أول هدف له في النهائيات أمام منتخب الطوغو، ليستمر ظهوره مع المنتخب إلى نهائيات كأس العالم روسيا 2018، حينها أسر النصيري قلوب المغاربة، وقدم لهم أوراق اعتماده بهدفه في مرمى المنتخب الإسباني، عندما حلق تغلب على القائد سيرخيو راموس، خاتم به العرض المشرف لـ”أسود الأطلس” رغم خيبة مغادرة الحدث الأكبر في كرة القدم، بنقطة واحدة.
ثبت النصيري اسمه مع المنتخب المغربي وبات لاعبا صاحب حضور لا ينقطع إلى نهاية أمم إفريقيا 2019 مصر، التي مني فيها المنتخب الوطني بخيبة كبيرة رغم تمكنه من التسجيل، مستمرا مع النخبة حتى مع البوسني وحيد خليلوزيتش الذي يضعه ضمن اللاعبين البارزين والثابتين الذين لا يفارقهم في المباريات الودية والرسمية على حد سواء، إذ نجح لحد آخر مباراة خاضها مع المنتخب الوطني في تسجيل 11 من 35 مباراة.
النصيري يشقُّ دروب النجاح بخطوات رزينة، يعمل ويبذل جهودا مضاعفة لبلوغ أحلامه التي نسجها في طفولته، أحلامٌ نشأت في العدم وكبرت معه صامدة أمام شدة البدايات، جدَّ واجتهد، تخطى المراحل وبلغ مستويات، استغل الفرص الشحيحة وظل صامدا أمام عواصف التَصغير الإحباط التي اعتبرها اختبارات قدرية، اختبارات يجتازها ببسالة، في سبيل المجد الذي يعتبره حلما مُباحَ التحقق.